تُعد غدة البروستاتا جزءًا أساسيًا من الجهاز التناسلي الذكري، لكنها قد تُصاب بمشاكل تتطلب تدخلاً جراحيًا في بعض الحالات، مثل تضخم البروستاتا أو سرطان البروستاتا. وعملية البروستاتا تُعد من العمليات الدقيقة التي تختلف تفاصيلها حسب نوع المشكلة، ونوع الجراحة المستخدمة، وحالة المريض الصحية.
وفي هذا الدليل الشامل، نأخذك في رحلة طبية مبسطة لفهم كل ما يتعلق بعملية البروستاتا، ما هي؟ ما أنواعها؟ كيف يتم الاستعداد لها؟ ماذا يحدث أثناء الجراحة وبعدها؟ وما هي المضاعفات المحتملة؟ ستجد هنا إجابات دقيقة ومبنية على مصادر موثوقة، تساعدك على اتخاذ القرار بثقة وفهم كامل لما ينتظرك أو ينتظر من تحب.
ما هي عملية البروستاتا؟
عملية البروستاتا أو بالإنجليزية Prostatectomy هي إجراء جراحي يُستخدم لإزالة جزء أو كامل غدة البروستاتا، وهي غدة صغيرة تقع في منطقة الحوض تحت المثانة، وتحيط بالإحليل (الأنبوب الذي ينقل البول من المثانة إلى العضو الذكري). وتُعد البروستاتا جزءًا من الجهاز التناسلي الذكري.
والهدف الرئيسي من عملية البروستاتا هو علاج سرطان البروستاتا أو التخلّص من أعراض تضخم البروستاتا. وفي حالة السرطان، وخاصة الأنواع الشديدة أو السريعة النمو، قد تكون العملية وسيلة منقذة للحياة. وفي معظم الحالات، تفوق فوائد استئصال البروستاتا أي مخاطر قد ترتبط بالإجراء الجراحي. ويوجد أكثر من طريقة لإجراء العملية، ويعتمد اختيار الطريقة على الحالة الصحية ونوع المشكلة.
ارسل لنا استفسارك على الواتس اب
أنواع عملية البروستاتا
تعتمد أنواع عملية البروستاتا على حالة المريض ومدى تطور المشكلة الصحية، وهناك نوعان رئيسيان:
استئصال البروستاتا البسيط (Simple Prostatectomy)
غدة البروستاتا تتكوّن من جزئين الجزء الداخلي (الذي ينمو مع التقدّم في العمر) والجزء الخارجي (يشكل الغلاف الخارجي). وفي عملية الاستئصال البسيط، يقوم الجراح بعمل شق رأسي في أسفل البطن ويستأصل الجزء الداخلي فقط من البروستاتا، مع الإبقاء على الجزء الخارجي سليمًا.
وتُجرى العملية أحيانًا بالجراحة المفتوحة، وأحيانًا باستخدام الجراحة المنظارية (Laparoscopic).
وفي الجراحة بالمنظار، يقوم الجراح بعمل شقين إلى أربعة شقوق صغيرة جدًا (أقل من نصف بوصة). ويقوم بإدخال أنبوب رفيع مزوّد بكاميرا (المنظار) لمتابعة العملية من الداخل، ويستخدم أدوات خاصة لإزالة الجزء الداخلي من الغدة.
استئصال البروستاتا الجذري (Radical Prostatectomy)
في هذا النوع، يتم استئصال الغدة بالكامل، إلى جانب الأنسجة المحيطة بها مثل الحويصلات المنوية (غدد تساهم في إنتاج السائل المنوي) والعقد الليمفاوية، وأحيانًا الدهون والأنسجة المجاورة.
وبعد إزالة الغدة، يُعيد الجراح توصيل الإحليل بالمثانة باستخدام الغُرز، ويتم أيضًا قطع الأسهر (الأنبوب الذي ينقل الحيوانات المنوية من الخصية إلى الإحليل). يمكن إجراء الاستئصال الجذري بثلاث طرق:
- الجراحة المفتوحة: يتم عمل شق كبير من السرة حتى عظمة العانة لاستئصال البروستاتا.
- الجراحة بالمنظار: يُجري الجراح عدة شقوق صغيرة ويدخل أدوات دقيقة مع منظار مزوّد بكاميرا لإجراء العملية بأقل تدخل جراحي ممكن.
- الجراحة باستخدام الروبوت: يقوم الجراح بالتحكم بذراع آلي (روبوت) يجري العملية بدقة شديدة، ويفيد خاصةً في الأماكن التي يصعب الوصول إليها بالجراحة التقليدية.
اقرأ أيضاً: عملية البروستاتا بالليزر وكيف تتم؟
الاستعداد للخضوع لعملية البروستاتا
قبل إجراء عملية البروستاتا، ستقابل الطبيب ويقوم بمناقشة نوع العملية الأنسب لحالتك، سواء كانت استئصالًا بسيطًا للبروستاتا أو استئصالًا جذريًا لها. وسيقوم الطبيب بفحص صحتك العامة، كما سيقوم بقياس العلامات الحيوية مثل درجة الحرارة والنبض وضغط الدم.
ويجب إخبار الطبيب عن أي أدوية تتناولها، سواء كانت بوصفة طبية أو بدون وصفة، ويشمل ذلك المكملات العشبية، فيعض الأدوية مثل الأسبرين، مضادات الالتهاب، بعض المكملات العشبية، ومضادات التخثر قد تزيد من خطر النزيف. وقد يُطلب منك التوقف مؤقتًا عن بعض هذه الأدوية قبل الجراحة.
ولكن يجب دائمًا استشارة الطبيب قبل التوقف عن أي دواء.
كما يجب إخبار الطبيب عن أي أنواع حساسية تُعاني منها. وسيقوم الطبيب أيضًا بإعطائك تعليمات خاصة بشأن تناول الطعام والشراب قبل عملية استئصال البروستاتا. وعادة يُمنع الأكل أو الشرب بعد منتصف الليل في الليلة السابقة للجراحة. وإذا كنت بحاجة لتناول أدوية معينة صباح العملية، فيمكنك تناولها مع رشفة صغيرة من الماء فقط.
أثناء عملية استئصال البروستاتا:
يتم إجراء عملية البروستاتا باستخدام التخدير العام، مما يعني أنك لن تكون مستيقظًا، ولن تتحرك، ولن تشعر بأي ألم أثناء الإجراء. وبعد دخولك في التخدير، سيقوم أحد أعضاء الفريق الطبي بإدخال قسطرة بولية، وهي أنبوب رفيع ومرن يُستخدم لتصريف البول من المثانة إلى كيس خارجي. وتختلف خطوات العملية حسب ما إذا كنت ستخضع لاستئصال بروستاتا مفتوح أو روبوتي.
عملية البروستاتا بالجراحة المفتوحة:
أثناء الجراحة المفتوحة، يستخدم طبيب المسالك البولية مشرطًا حادًا ومعقمًا لعمل شق رأسي في منطقة ما بين السرة وعظمة العانة (شق فوق العانة – Suprapubic). وفي بعض الحالات، قد يختار الجراح عمل الشق الجراحي في الجلد الموجود بين فتحة الشرج وكيس الصفن (المنطقة العجانية – Perineum)، لكن هذه الطريقة أقل شيوعًا.
ويتراوح طول الشق عادةً بين 15–30 سم، ويوفر هذا الشق الكبير رؤية واضحة لغدة البروستاتا والأنسجة المحيطة بها. وبعد الانتهاء من الجراحة، يتم إغلاق الشق باستخدام خيوط جراحية (غرز) أو دبابيس معدنية صغيرة (Staples). وقد يقوم الطبيب بوضع أنبوب سيليكون صغير يُعرف باسم درنقة جراحية (Surgical Drain) للمساعدة في تصريف الدم أو السوائل من داخل الجسم.
وتُترك هذه الدرنقة في مكانها عادةً لعدة أيام بعد الجراحة، ثم يقوم الطبيب بإزالتها. وإزالة الدرنقة عادةً لا تكون مؤلمة، ولا تتطلب مسكنات إضافية أو تخدير.
عملية البروستاتا بالجراحة الروبوتية:
خلال الجراحة الروبوتية، يقوم الجراح بعمل شق جراحي صغير واحد فقط (Single Port) أو عدة شقوق صغيرة جدًا (Multi-Port)، لا يتعدى حجم كل منها 3/4 بوصة تقريبًا (أقل من 2 سم). ويتم إدخال منظار جراحي وكاميرا دقيقة عبر إحدى هذه الفتحات الصغيرة، ثم يتم إدخال أدوات الجراحة الروبوتية عبر الشقوق الأخرى.
ويقوم طبيب المسالك البولية بعد ذلك بإزالة غدة البروستاتا والحويصلات المنوية من الأنسجة المحيطة، ثم يعيد توصيل الإحليل بالمثانة باستخدام غرز دقيقة. وقد يقوم أيضًا بإزالة العُقد الليمفاوية لفحصها والتأكد من عدم انتشار السرطان إليها.
وعند انتهاء العملية، يقوم الفريق الطبي بإغلاق الشقوق الجراحية باستخدام الغرز أو الدبابيس الجراحية. وفي العمليات الروبوتية، يتم عادةً استخدام الغرز. وقد تُوضع أيضًا درنقة جراحية في أحد مواضع الشقوق لتصريف السوائل.
بعد عملية استئصال البروستاتا:
بعد عملية البروستاتا سيقوم أحد الأطباء بتغطية مواضع الشقوق باستخدام ضمادات أو لاصق طبي شفاف. وسيقوم طبيب التخدير بإيقاف التخدير تدريجيًا، وستبدأ في الاستيقاظ خلال دقائق قليلة، لكنك قد تظل في حالة من النعاس أو الشعور بالدوخة. ثم تنتقل إلى غرفة الإفاقة حيث يُراقب الفريق الطبي حالتك الصحية العامة إلى أن تستعيد وعيك الكامل.
وبمجرد الاستيقاظ، سيُقدَّم لك علاج لتخفيف الألم. وعادةً ما تكون الجراحة الروبوتية أقل ألمًا من الجراحة المفتوحة، لكنك ستحتاج إلى أدوية مسكنة وتقنيات لإدارة الألم خلال فترة التعافي. وقد يُسبب التخدير شعورًا بالغثيان في الساعات الأولى بعد العملية، وفي هذه الحالة سيتم إعطاؤك دواء مضاد للغثيان.
وسيُطلب منك اتباع نظام غذائي سائل لمدة يوم إلى يومين بعد العملية، وذلك لمساعدة الجسم على التعافي. ومع التقدّم في الشفاء، سيبدأ الفريق الطبي بإعادة إدخال الأطعمة الصلبة تدريجيًا.
وفي اليوم التالي للجراحة، سيتم تشجيعك على القيام من السرير والمشي، لأن المشي يساعد في تسريع الشفاء، وتحسين تدفق الدم، واستعادة وظائف الجسم. كما يُقلل من خطر الإصابة بجلطات الساق، أو الالتهاب الرئوي، أو مضاعفات أخرى.
وتقريبًا جميع المرضى يحتاجون إلى قسطرة بولية بعد عملية استئصال البروستاتا. ومدة بقاء القسطرة في مكانها تعتمد على نوع العملية ومدى سرعة تعافي المثانة:
- في حالة الاستئصال البسيط للبروستاتا: تبقى القسطرة لمدة 2 إلى 3 أيام.
- في حالة الاستئصال الجذري للبروستاتا: قد تبقى القسطرة لمدة 10 إلى 14 يومًا.
وعندما يقرر الفريق الطبي أن حالتك الصحية أصبحت مستقرة ولم تعد بحاجة إلى مراقبة داخلية، سيتم السماح لك بالخروج إلى المنزل. وبعض المرضى يُسمح لهم بالعودة إلى المنزل في نفس يوم الجراحة، بينما قد يحتاج آخرون للبقاء في المستشفى لمدة يوم إلى يومين.
ومن الطبيعي أن تشعر بالتعب والإرهاق لعدة أسابيع بعد العملية. ويجب تجنب رفع الأشياء الثقيلة أو ممارسة أي تمارين شاقة خلال هذه الفترة لضمان التئام الشقوق الجراحية بشكل سليم. سيصف لك الطبيب مجموعة من الأدوية قبل مغادرتك المستشفى، وقد تشمل:
- أدوية مسكنة للألم
- ملينات للبراز (لتفادي الإمساك بعد التخدير)
- مضادات حيوية
- أدوية لتقليل خطر تكون الجلطات الدموية (مضادات تخثر)
كم تستغرق عملية البروستات؟
عادة ما تستغرق عملية البروستاتا ما بين ساعتين إلى 4 ساعات، ولكن قد تختلف المدة من حالة لأخرى وحسب نوع الإجراء المستخدم في العملية، ففي الجراحة المفتوحة، يتم عمل شق كبير في منطقة البطن لإزالة البروستاتا، وغالبًا ما يتضمن ذلك إزالة أنسجة إضافية مثل الحويصلات المنوية والعقد الليمفاوية، مما يشير إلى أن الإجراء قد يكون أطول وأكثر تعقيدًا.
أما في الجراحة الروبوتية، فيُستخدم منظار وأدوات دقيقة يتم إدخالها من خلال شقوق صغيرة، ويقوم الجراح بالتحكم في الروبوت لإزالة الغدة وإعادة توصيل الإحليل بالمثانة. هذا النوع من الجراحة يتميز بكونه أقل تدخلاً، ويُحتمل أن يكون أسرع من الجراحة المفتوحة.
وفي حالة الجراحة الروبوتية قد تبقى في المشفى من يوم إلى يومين، ويمكن لبعض المرضى العودة للمنزل في نفس يوم الجراحة. وفي حالة الجراحة المفتوحة يمكن أن تمتد الإقامة في المستشفى عادةً من 3 إلى 4 أيام.
ارسل لنا استفسارك على الواتس اب
مخاطر عملية البروستاتا
مثل جميع الإجراءات الجراحية، تنطوي عملية البروستاتا على بعض المخاطر. ومن أبرز هذه المخاطر مخاطر عامة تتعلق بالجراحة:
- مضاعفات ناتجة عن التخدير.
- مشاكل في التئام الجروح.
- احتمال الحاجة إلى نقل دم أثناء أو بعد العملية.
- الإصابة بعدوى في موضع الجراحة.
- تكوّن كتلة من الدم المتجلط (ورم دموي)
- تكوّن جلطات دموية.
- تراكم السوائل في موضع الجراحة.
وتوجد مخاطر أخرى متعلقة باستئصال البروستاتا:
- سلس البول: عدم القدرة على التحكم الكامل في البول.
- ضعف الانتصاب: فقدان أو ضعف القدرة على الانتصاب.
- جفاف القذف: حدوث النشوة الجنسية بدون خروج السائل المنوي.
- ضمور العضو الذكري: انكماش في حجم القضيب نتيجة ضعف الانتصاب.
- الاكتئاب: قد يتأثر بعض الرجال نفسيًا بعد الجراحة، خاصةً مع التغيرات الجسدية والوظيفية.
التعافي من عملية البروستاتا
يستغرق التعافي الكامل من عملية البروستاتا بعض الوقت، ويختلف حسب نوع الجراحة:
- بعد الجراحة المفتوحة، يستطيع معظم المرضى استئناف الأنشطة اليومية الطبيعية بعد حوالي 8 أسابيع.
- في حالة الجراحة الروبوتية، فيكون التعافي عادةً أسرع، ويمكن العودة للنشاط الطبيعي خلال 4 إلى 6 أسابيع.
ولكن يجب الانتباه إلى أن فترة التعافي تختلف من شخص لآخر، وتعتمد على عدة عوامل مثل:
- نوع العملية
- التاريخ الطبي للمريض
- وجود حالات صحية أخرى
لذا، يُعد الطبيب المتابع هو الشخص الأنسب لتحديد الجدول الزمني الأمثل للتعافي لكل حالة على حدة.
عملية البروستاتا والانتصاب
مشاكل الانتصاب ليست شائعة بعد الاستئصال البسيط للبروستاتا لعلاج تضخم البروستاتا الحميد، ولكنها تحدث بنسبة كبيرة بعد الاستئصال الجذري للبروستاتا لعلاج سرطان البروستاتا.
ويحدث ضعف الانتصاب لأن الأعصاب المسؤولة عن الانتصاب تقع بالقرب جدًا من غدة البروستاتا، وقد تتعرّض للكدمات أو التلف أثناء العملية. وفي بعض الحالات، يقوم الطبيب بإزالة جزء من هذه الأعصاب أو كلها كجزء من علاج السرطان.
وحتى في الحالات التي يتم فيها الحفاظ على الأعصاب، غالبًا لن يعود الانتصاب مباشرة بعد العملية. وفي العادة، يبدأ التحسن التدريجي في وظيفة الانتصاب بعد نحو 6 أشهر من الجراحة، لكن قد يستغرق الأمر ما يصل إلى عامين كاملين لاستعادة نفس صلابة الانتصاب والوظيفة الجنسية كما كانت قبل الجراحة.
ورغم غياب الانتصاب، إلا أن العديد من الرجال يستطيعون الشعور بالنشوة الجنسية بشكل طبيعي، لكن غالبًا مع غياب أو نقص في كمية السائل المنوي (جفاف القذف). من المهم البدء في النشاط الجنسي بعد استعادة التحكم في البول، للحفاظ على تدفق الدم إلى العضو الذكري، حيث أن تحسين تدفق الدم يساعد في الوقاية من التليّف، وهو تراكم نسيج ندبي سميك في العضو قد يُصعّب تحقيق الانتصاب لاحقًا.